في اليوم العالمي.. عبد المنعم الحر: حقوق الإنسان تواجه تحديات "جمة"
في حوار مع "جسور بوست"
في زمن الحروب التي تعصف بالعالم، وفي ظل الصراعات المستعرة والأزمات الإنسانية المروعة، يبقى اليوم العالمي لحقوق الإنسان رمزًا للأمل والصمود.. إنه يوم تتجدد فيه الدعوة للتفكير والتأمل في قيمة الإنسان وحقوقه الأصيلة، رغم تراجع حقوقه.
وتبقى حقوق الإنسان أساسًا لكرامة الإنسان وحريته، وتمثل قيمًا عالمية يجب أن تُحترم في جميع الأوقات وفي كل زمان ومكان، ومع ذلك، يشهد العالم في الوقت الحاضر تحديات هائلة تهدد هذه الحقوق الأساسية، وتجعلها محط تجاوزات وانتهاكات متعددة.
أحد الأمثلة البارزة على هذا التراجع المشهود يأتي من قطاع غزة، الذي يعيش تحت وطأة الحروب المدمرة والحصار القاسي لعقود من الزمن، سكان غزة يعانون من انتهاكات جسيمة لحقوقهم الأساسية، بدءًا من حقهم في الحياة والأمان وصولًا إلى حقوق الصحة والتعليم والعيش الكريم.
تراجع حقوق الإنسان في غزة وفي العديد من المناطق الأخرى يثير قضية ملحة حول ضرورة التصدي للظلم والقمع والانتهاكات التي تستهدف الأفراد الأكثر ضعفًا وفقرًا.
في العاشر من ديسمبر يحتفل العالم باليوم العالمي لحقوق الإنسان، يوم يدعونا للوقوف صفًا واحدًا مع الضحايا والمظلومين، ولنصرخ بأعلى الأصوات ضد الظلم والقهر، ولنطالب بإحقاق العدالة وتحقيق حقوق الإنسان المنسية.
في هذا السياق المأساوي، يصبح الحوار مع أهل الخبرة أداةً فعّالة لرفع الوعي وإيصال الصوت المكبوت للذين يعانون من انتهاكات حقوقهم.
التقت "جسور بوست" رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا، الدكتور عبدالمنعم الحر، وهو شخصية حقوقية استثنائية تحمل راية الأمل والتغيير، والذي تحدث عن رؤيته للأوضاع الراهنة لحقوق الإنسان في العالم.
فإلى نص الحوار:
-كيف يمكننا تقييم التقدم العالمي في مجال حقوق الإنسان؟ وما المؤشرات الرئيسية التي يمكننا استخدامها لقياس التقدم في هذا المجال؟
-يمكننا تقييم التقدم العالمي في مجال حقوق الإنسان بالتأكد من مدى احترام الدول للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ومدى تمتع الأفراد والمجتمعات البشرية بحقوقهم طبقا للمعايير المتفق عليها دوليا وعيشهم حياة كريمة.
وتوجد العديد من المؤشرات التي يمكن استخدامها لقياس التقدم في مجال حقوق الإنسان، وقد يتم الاكتفاء باختيار المؤشرات المناسبة بناء على المعايير التي نريد قياسها، ومدى توفر البيانات المتعلقة بها، وبالإمكان الاستعانة بعدد من المؤشرات الرئيسية لقياس التقدم في هذا المجال ومنها:
- مؤشرات الامتثال للمعايير الدولية لحقوق الإنسان: أي مدى الالتزام بمعايير حقوق الإنسان طبقا للمعاهدات والاتفاقيات الدولية، التي تؤكد مثلا حقوق الطفل وذوي الإعاقة، ومناهضة التعذيب والعنصرية والتمييز ضد المرأة.. إلخ.
- مؤشرات تقيس مدى تمتع الأفراد والمجتمعات بحقوقهم: وذلك من خلال تجميع البيانات المختلفة حول نسب استفادة كافة الشرائح من عدة متطلبات أساسية مثل الصحة والتعليم والحصول على العمل والوظيفة والمشاركة السياسية.. إلخ، إضافة إلى تجميع البيانات السلبية عن معدلات الفقر وانتشار الجريمة والفساد والاضطهاد الاجتماعي.
وأود أن أذكر أن التقدم في مجال حقوق الإنسان هو عملية مستمرة، تتحسن أحيانا وتتراجع في أحيان أخرى، كما أنه يتباين من دولة إلى أخرى، وهو ما يستدعي من منظمات كمنظمتنا مثلا المتابعة والرصد المستمر لانتهاكات حقوق الإنسان أو تحسن مستواها ضمن إطار العمل، وذلك لتقديم التوصيات باتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية وتعزيز حقوق الإنسان والتأكد من تمتع جميع المعنيين بها.
ما أكبر التحديات التي تواجه حقوق الإنسان في الوقت الحالي؟ وهل هناك انتهاكات معينة تستحق اهتمامنا الفوري؟
- تواجه حقوق الإنسان تحديات كبيرة في الوقت الحالي، منها:
- تزايد وتيرة النزاعات المسلحة عبر العالم: تترافق النزاعات المسلحة في العديد من مناطق العالم مع انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك جرائم الإبادة وقتل النساء والأطفال والأطقم الطبية والمرضى والتهجير القسري.
- تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري وتغير المناخ بسبب الغازات الدفيئة: وهو ما يهدد حقوق الإنسان بسبب الكوارث الطبيعية الناتجة عن ذلك، وما تخلفه من إزهاق للأرواح وتشرد للسكان، وضياع حق الأفراد والأسر في الحياة الكريمة والسكن والصحة وغير ذلك.
- ارتفاع وتيرة اضطهاد الأقليات وكراهية الأجانب والمهاجرين.
- عدم الالتزام الكافي من الدول بمحاسبة منتهكي حقوق الإنسان بها واستمرار الاعتقالات والاحتجازات التعسفية والعنف ضد المرأة والتمييز العرقي والطائفي.. إلخ.
- تعرض العاملين في مجال حقوق الإنسان للاعتقال والخطف والاغتيال والتشهير والمضايقة وعدم حصولهم على الحماية اللازمة في عدد من دول العالم.
كيف يمكن للمجتمع الدولي والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية العمل معاً لتعزيز حقوق الإنسان في ظل التحديات الراهنة؟
- في الوضع الراهن أضحى التعاون بين المجتمع الدولي والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية ضرورة ملحة، بسبب تزايد التحديات أمام حقوق الإنسان.
ويمكن للمجتمع الدولي والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية العمل معا لتعزيز حقوق الإنسان بواسطة عدة إجراءات، منها:
- دعم إقامة أنشطة لنشر الوعي بأهمية حقوق الإنسان ونشر الثقافة الحقوقية بين كافة الشرائح المجتمعية.
- دعم سيادة القانون والمؤسسات الديمقراطية، إذ هي من أهم الأطر الضامنة لحقوق الإنسان، من خلال تقديم المساعدة المالية والفنية للدول الساعية إلى بناء مؤسسات ديمقراطية.
- تكثيف الجهود لمواجهة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من خلال قيام المنظمات الحقوقية والمنظمات غير الحكومية العاملة في مجال التطوع والأعمال والخيرية والإغاثة، بتقديم الدعم المباشر للضحايا، ورصد الانتهاكات، والضغط على الحكومات لاتخاذ إجراءات.
ما دور وسائل الإعلام في تعزيز الوعي بحقوق الإنسان والكشف عن انتهاكاتها؟ وهل هناك تحديات تواجه عمل الصحفيين في هذا الصدد؟
- لوسائل الإعلام دور مهم جدا في تعزيز الوعي بحقوق الإنسان والكشف عن انتهاكها، ويتمثل هذا الدور في:
- المساهمة في نشر الوعي بحقوق الإنسان وتعريف الجمهور المتابع بها من خلال المقالات والتقارير والبرامج التلفزيونية والإذاعية التي تسلط الضوء على أهمية حقوق الإنسان وكيفية حمايتها.
- رصد انتهاكات حقوق الإنسان وإظهارها في وسائل الإعلام من خلال إيصال صوت الضحايا للجمهور وتوثيق الانتهاكات ونشرها.
- الضغط على الحكومات والجهات المتنفذة والفاعلة لاتخاذ إجراءاتهم بشأن حماية وتعزيز حقوق الإنسان، ووسائل الضغط تختلف وتتنوع بين نشر التقارير الكاشفة وإجراء المقابلات مع المسؤولين بالحكومة وعمل التحقيقات الصحفية.
كيف يمكن للتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي أن تلعب دورًا في تعزيز حقوق الإنسان؟ وهل هناك خطورة من سوء استخدام التكنولوجيا؟
لقد أمكن للتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي أن تحتل دورا مهما في تعزيز حقوق الإنسان والتعبير عن الرأي من خلال كسر الحواجز التي تقف أمام الحصول على المعلومات والمعارف، وذلك من خلال الآتي:
- تسهيل عملية التواصل والمشاركة بين الأفراد والمجموعات، وهو ما يساعد على زيادة انتشار الوعي بالحقوق وأهميتها وتشجيع الناس وحشدهم والتنسيق بينهم للعمل من أجل حمايتها.
- توفير المعلومات الكافية للشبكات والفرق والمنظمات وهو ما يساعد على تقديم الدعم المباشر للضحايا والاستجابة السريعة للأحداث المتعلقة بالجانب الحقوقي، بنقل الصور والفيديوهات والإحصائيات اللازمة والأخبار، واستخدام تطبيقات الهواتف الذكية وغير ذلك من وسائل التكنولوجيا والتواصل الاجتماعي.
إلا أن هناك بعض المخاطر التي تنشأ من سوء استخدام التكنولوجيا في مجال حقوق الإنسان، ومن ذلك:
- سهولة نقل المعلومات المضللة التي قد تؤدي إلى المزيد من العنف والانتهاكات، وكذلك سهولة نشر خطاب الكراهية والتمييز الذي قد يشكل خطرا على المجموعات الضعيفة والأفراد غير المحميين.
- من مخاطر استخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي في مجال حقوق الإنسان، إمكانية انتهاك خصوصية الأفراد ومراقبتهم وجمع بياناتهم الشخصية بغرض ابتزازهم ومضايقتهم أو تهديدهم.